توقّع متفائل للذهب في 2026.. هل ستشهد الأسواق قفزة تاريخية جديدة؟

شهد المعدن الأصفر خلال عام 2025 رحلة مميزة، حيث وصل إلى ذروة بلغت 4381 دولار للأوقية في منتصف أكتوبر، لكنه شهد تراجعاً لاحقاً ليستقر حول مستويات 4000 دولار بنهاية نوفمبر. هذا التذبذب أثار نقاشات واسعة بين المحللين حول ما إذا كان السوق في انتظار انطلاقة جديدة نحو 5000 دولار للأوقية أم أنه سيشهد مرحلة استقرار في عام 2026.

وقد جاء هذا الصعود وسط بيئة اقتصادية معقدة تجمع بين خوف العالم من تباطؤ النمو في الاقتصادات الكبرى، وعودة السياسات النقدية المرنة بشكل تدريجي، مما دفع المستثمرين لإعادة توازن محافظهم نحو الأصول الآمنة. كما ساهمت القلق من الديون السيادية والتوتر في سلاسل الإمداد العالمية في تعزيز دور الذهب كأداة حماية أساسية في المحافظ الاستثمارية الكبرى.

الطلب على الذهب يحقق مستويات قياسية

أظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي أن الطلب الإجمالي على المعدن الأصفر (بما في ذلك الاستثمارات) في الربع الثاني من 2025 بلغ 1249 طن، وهو تراجع بنسبة 3% على أساس سنوي من حيث الحجم، غير أن القيمة ارتفعت إلى 132 مليار دولار بارتفاع 45%، مما يعكس الأسعار المرتفعة التي يشهدها السوق.

الربع الأول من 2025 كان أكثر إثارة، حيث سجل الطلب 1206 طن، وهو الأعلى منذ 2016. ارتفع متوسط السعر في تلك الفترة إلى 2860 دولار للأوقية، بزيادة 38% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.

صناديق الذهب المتداولة بالبورصة شهدت جاذبية لم تسبق لها مثيل، حيث وصلت الأصول المُدارة إلى 472 مليار دولار، مع ارتفاع الحيازات إلى 3838 طن، بمعدل نمو 6% عن الربع السابق، مقتربة بذلك من الذروة التاريخية البالغة 3929 طن.

تصدرت أمريكا الشمالية الطلب بـ 345.7 طن من أصل 618.8 طن عالمياً منذ بداية العام إلى 30 سبتمبر، يتبعها أوروبا بـ 148.4 طن وآسيا بـ 117.8 طن.

البنوك المركزية تتسابق على تعزيز احتياطياتها

استمرت المصارف المركزية حول العالم في تعميق حيازاتها من المعدن النفيس، إذ أضافت 244 طن في الربع الأول من 2025، بزيادة 24% عن متوسط الفترات السابقة. هذا الاتجاه يعكس رغبة متزايدة في تنويع الاحتياطيات بعيداً عن الاعتماد على الدولار الأمريكي.

يشير التقرير إلى أن 44% من البنوك المركزية عالمياً تدير الآن احتياطيات ذهبية، مقابل 37% في 2024.

القيادة الصينية واضحة: أضاف بنك الشعب الصيني أكثر من 65 طن، مستمراً في عمليات الشراء للشهر الثاني والعشرين على التوالي. كما عزّزت تركيا احتياطياتها إلى أكثر من 600 طن. توقعات المتخصصين تشير إلى أن مشتريات البنوك المركزية ستبقى أقوى داعم للطلب حتى نهاية 2026، خاصة من الدول الناشئة التي تسعى لحماية عملاتها.

محدودية العرض… عامل حاسم للسعر

وصل إنتاج المناجم في الربع الأول من 2025 إلى 856 طن، بزيادة طفيفة 1% سنوياً. لكن هذا الارتفاع المحدود لا يكفي لسد الفجوة المتنامية بين الطلب والعرض.

ما يفاقم الوضع أكثر أن كمية الذهب المعاد تدويره انخفضت بنسبة 1% في الفترة ذاتها، حيث فضّل الحائزون الاحتفاظ بممتلكاتهم بدلاً من بيعها، متوقعين صعوداً مستمراً.

تواجه صناعة التعدين ضغوطاً متزايدة من ارتفاع التكاليف التشغيلية. ارتفعت تكلفة الاستخراج العالمية إلى نحو 1470 دولار للأوقية في منتصف 2025، وهي الأعلى منذ عقد. هذا يحد من توسع الإنتاج ويجعل أي زيادة في الإمدادات مكلفة وبطيئة.

السياسة النقدية… الحليف الرئيسي للارتفاع

خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة في أكتوبر 2025 بمقدار 25 نقطة أساس ليصل النطاق إلى 3.75-4.00%، وهو الخفض الثاني منذ ديسمبر 2024. البيان الرسمي أشار إلى احتمالية خفضات إضافية إذا تراجعت قوة سوق العمل أو تباطأ النمو.

توقعات الأسواق تسعّر خفضاً إضافياً بـ 25 نقطة خلال اجتماع 9-10 ديسمبر 2025، ليكون الثالث في العام. تخفيضات الفائدة هذه تضعف الدولار بشكل عام وتقلل العوائد الحقيقية للسندات، مما يعزز جاذبية الذهب كأصل يتمتع بخصائص حفظ القيمة.

توقعات من شركة بلاك روك تشير إلى أن الفيدرالي قد يستهدف معدل فائدة 3.4% بحلول نهاية 2026. إذا تحققت هذه السيناريوهات، ستؤدي إلى تراجع العوائد الحقيقية، مما يقلل تكلفة الفرصة البديلة والامتلاك الذهب كأصل لا يدرّ فوائد.

التوترات الجيوسياسية تدعم الطلب التحوطي

النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب توترات الشرق الأوسط، دفعت الأسواق نحو زيادة الاستثمارات الآمنة. وسّعت التوترات حول مضيق تايوان ومخاوف الطاقة العالمية الطلب بنسبة 7% على أساس سنوي وفقاً لتقرير وكالة رويترز.

عندما تصاعدت الأزمات في يوليو 2025 وصل السعر الفوري إلى تجاوز 3400 دولار، ثم اندفع إلى ما فوق 4300 دولار في أكتوبر. هذا السلوك يثبت أن الذهب يستجيب بسرعة للأزمات، مما يدعم احتمالية وصوله إلى مستويات قياسية إذا حدثت صدمة جديدة في 2026.

الدولار والسندات… في علاقة عكسية مع الذهب

يتحرك الذهب تاريخياً عكسياً مع الدولار الأمريكي والعوائد الحقيقية للسندات. ضعف الدولار يزيد من جاذبية المعدن للمستثمرين الأجانب، بينما العوائد المرتفعة تقلل الإقبال عليه.

في 2025، تراجع مؤشر الدولار بنحو 7.64% من ذروته بداية العام إلى 21 نوفمبر، متأثراً بتوقعات تخفيض الفائدة. انخفضت عوائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات من 4.6% إلى حوالي 4.07% في ذات التاريخ.

هذا التراجع المزدوج في مؤشر الدولار والعوائد ساهم في دعم الطلب المؤسسي على الذهب. يسعى المستثمرون إلى تحقيق توازن في محافظهم بعيداً عن الأصول الدولارية.

يرى محللو بنك أوف أمريكا أن استمرار هذا الاتجاه قد يدعم السعر في 2026 خاصة مع استقرار العوائد الحقيقية قرب 1.2% واستمرار الضغط على الدولار، مما قد يضع المعدن في نطاق صعودي مستدام.

توقعات البنوك الكبرى: نحو آفاق جديدة

بنك HSBC توقّع أن يندفع سعر الذهب ليصل إلى 5000 دولار للأوقية في النصف الأول من 2026، مع متوسط متوقع 4600 دولار للعام كاملاً، مقابل متوسط 3455 دولار في 2025.

بنك أوف أمريكا رفع توقعاته أيضاً إلى 5000 دولار كذروة محتملة، مع متوسط 4400 دولار للعام، لكنه نبّه إلى احتمال تصحيح قصير الأجل عند جني الأرباح.

غولدمان ساكس عدّل توقعاته إلى 4900 دولار للأوقية، مشيراً إلى تدفقات قوية نحو صناديق الذهب المتداولة واستمرار البنوك المركزية في الشراء.

بنك جيه بي مورغان توقّع أن يصل الذهب إلى حوالي 5055 دولار بحلول منتصف 2026.

بناءً على هذه التوقعات، النطاق الأكثر شيوعاً بين المحللين يمتد بين 4800 و5000 دولار كذروة محتملة، مع متوسط يتراوح بين 4200 و4800 دولار.

هل سيحدث تصحيح دون الذروة المتوقعة؟

رغم التفاؤل الواسع، أطلق بنك HSBC تحذيراً من أن الزخم الصاعد قد يفقد قوته في النصف الثاني من 2026، مع احتمال تصحيح نحو 4200 دولار إذا بدأ المستثمرون بجني الأرباح، لكنه استبعد انخفاضاً دون 3800 دولار ما لم تحدث صدمة اقتصادية كبيرة.

غولدمان ساكس حذّر من أن استمرار الأسعار فوق 4800 دولار قد يضع السوق أمام “اختبار المصداقية السعرية”، أي القدرة على الحفاظ على المستويات العالية مع ضعف الطلب الصناعي.

بينما أجمع محللو بنك جيه بي مورغان ودويتشه بنك على أن الذهب دخل مستويات سعرية جديدة يصعب كسرها نحو الأسفل، بفضل تحول استراتيجي في نظرة المستثمرين إليه كأصل طويل الأجل.

التحليل الفني يشير إلى مرحلة انتظار حاسمة

على الإطار اليومي، أغلق الذهب تعاملات 21 نوفمبر 2025 عند 4065.01 دولار، بعدما لمس أعلى مستوياته عند 4381.44 دولار في 20 أكتوبر 2025.

كسر السعر خط القناة الصاعدة على الإطار اليومي، لكنه يتمسك بخط الاتجاه الصاعد الرئيسي الذي يربط القيعان الصاعدة حول 4050 دولار.

يظهر دعم قوي عند مستوى 4000 دولار، مما يجعل هذه المنطقة حاسمة. إذا تجاوز السعر هذا الدعم بإغلاق يومي واضح، قد يستهدف 3800 دولار (تصحيح فيبوناتشي 50%)، قبل العودة للصعود.

في الاتجاه الصاعد، 4200 دولار تمثل أول مقاومة قوية، يليها 4400 ثم 4680.

مؤشر القوة النسبية (RSI) يستقر عند مستوى 50، مما يعكس حالة حياد تام دون ميل واضح لأي اتجاه.

مؤشر MACD يُظهر أن خط الإشارة لا يزال فوق الصفر، مؤكداً أن الاتجاه العام صاعد.

التحليل الفني يرجح استمرار الذهب في نطاق عرضي مائل للصعود بين 4000 و4220 دولار على المدى القريب، مع بقاء الصورة العامة إيجابية طالما ظل السعر فوق خط الاتجاه الرئيسي.

طرق الاستفادة من حركة الذهب

هناك خيارات متعددة للاستثمار في الذهب: الشراء الفعلي للسبائك، الاستثمار في صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs)، أو شراء أسهم شركات التعدين والتجارة.

بديل آخر هو تداول العقود مقابل الفروقات (CFDs)، التي تتيح المضاربة على تحركات السعر مباشرة. لكن يجب الانتباه: هذه العقود تنطوي على مخاطر كبيرة جنباً إلى جنب مع فرص ربح محتملة.

اختيار وسيط تداول احترافي وآمن أمر حاسم لضمان تجربة ناجحة، حيث يجب أن يوفر الوسيط دعماً شاملاً، منصة سهلة الاستخدام، رسوم بيانية ديناميكية، وتقويماً اقتصادياً يجمع أهم الأحداث المتوقعة.

الخاتمة: رحلة الذهب نحو 2026

حركة الذهب القوية في 2025 والتوقعات المتفائلة حوله تعكس التحديات الاقتصادية العميقة التي يواجهها العالم. مع اقتراب نهاية دورة التشديق النقدي وتباطؤ النمو العالمي، قد يشهد السوق صراعاً بين ضغوط جني الأرباح وموجات شراء جديدة من المؤسسات والبنوك المركزية.

إذا استمرت العوائد الحقيقية في الانخفاض وظل الدولار ضعيفاً، فالذهب مرشح قوي لتسجيل قمم تاريخية جديدة تقترب أو تتجاوز 5000 دولار. لكن إذا تراجع التضخم وعادت الثقة للأسواق، قد يدخل المعدن مرحلة استقرار طويلة الأمد، الأمر الذي قد يحول دون تحقيق الأهداف الطموحة.